توزيع موضوعات القرآن بالأرقام
وقفاتٌ مع العقيدة والقصص والأخلاق

يتميّز القرآن الكريم بتنوّع موضوعاته وشمولها؛ فهو ليس كتابًا للعقيدة وحدها، ولا للتشريع فقط، بل مزج بين العقيدة والعبادة والأخلاق والقصص والإرشاد بأسلوبٍ معجز. فيما يلي عرضٌ لأهمّ الأبواب التي تتناولها آيات القرآن، مع تقديرٍ لنسبة كلِّ باب، وأمثلةٍ عمليّة على مضمونها، وذكر بعض الحقائق التي قد تُدهشك.
1. العقيدة والتوحيد (30%–35%)
يُعَدّ توحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن الشريك والولد الأُسَّ والأساس لكل ما في القرآن من تعاليم. وتحت هذا الباب تندرج الآيات التي تؤكّد الإيمان بالغيب والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وترسّخ ثقة المؤمن برحمة الله وقدرته.
مثال قرآني:
قوله تعالى في سورة الإخلاص (112:1–4):
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
حقائق قد تدهشك:
- سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن من حيث ما تضمّنته من التوحيد الخالص.
- اسم “الله” هو أكثر لفظٍ تكرّر في القرآن الكريم، ممّا يرسّخ في القلب عظمة الخالق جلّ وعلا.
أهم الدروس المستفادة:
- تعزيز يقين المسلم بوحدانية الله وعظمته.
- ربط النفس بقدرة الله المطلقة في كل شؤون الحياة.
- إدراك أنّ الإيمان ليس مجرّد اعتقاد ذهني؛ بل يستوجب الإخلاص والعمل الصالح.
2. القصص القرآني (25%–30%)
تشغل القصص مساحة كبيرة من القرآن الكريم؛ إذ تظهر في ثلث القرآن تقريبًا. ولا يقتصر على قصص الأنبياء، بل يمتدّ إلى قصص أقوامٍ وأفرادٍ آخرين. ومن أشهرها قصص موسى عليه السلام -الذي يُعَدّ أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن- وإبراهيم ونوح وعيسى ويوسف، وقصص أصحاب الكهف وذي القرنين وغيرهم.
مثال قرآني:
قوله تعالى في سورة يوسف (12:3):نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
حيث تتبعُ السورة مراحل ابتلاء يوسف عليه السلام حتى رفعه الله من قاع البئر إلى عرش المملكة.
حقائق قد تدهشك:
- ذِكر موسى عليه السلام في القرآن يتكرّر في أكثر من مئة موضع، وهذا يشير إلى أهمية الدروس المستفادة من سيرته.
- سورة يوسف تُعَدّ نموذجًا متكاملًا لقصة نبيٍّ تشتمل على العبر الأخلاقية والإيمانية والاجتماعية.
أهم الدروس المستفادة:
- إدراك ثبات سُنن الله في الابتلاء والتمكين عبر الأجيال.
- الاستفادة من مواقف الأنبياء والصالحين في الصبر والثبات.
- التأكيد على أنّ القصص وسيلة تربيةٍ وتذكير، وليست مجرّد أخبار تاريخية.
3. الأحكام والتشريع (10%–15%)
يتضمّن هذا القسم العبادات (كالصلاة والصوم والزكاة والحج)، ويشمل المعاملات التي تنظّم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب العقوبات والحدود التي تحمي المجتمع من الظلم والفساد.
مثال قرآني:
قوله تعالى في سورة البقرة (2:43):وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
حقائق قد تدهشك:
- سورة البقرة وحدها تضمِّن أكثر من مئة حكم شرعي بين العبادة والمعاملات والقضاء وغيرها.
- الأحكام في القرآن جاءت متفرّقة في سورٍ متعدّدة؛ لترسيخ مفاهيمها تدريجيًّا ومواكبتها لمراحل بناء المجتمع الإسلامي.
أهم الدروس المستفادة:
- إدراك أنّ الإسلام نظامٌ متكامل لحياة الفرد والمجتمع.
- توجيه المؤمن لضبط تصرّفاته في العبادات والمعاملات بما يرضي الله.
- إشعار المسلم برحمة الشريعة وعدالتها في تحقيق مصالح الناس.
4. القيم والأخلاق (10%–15%)
يحتلّ جانب الأخلاق مساحةً واسعة في القرآن؛ فآياته تدعو إلى الفضائل كالتواضع والعفو والإحسان والصبر والرحمة، وتنهى عن الرذائل كالظلم والكبر والحسد والغيبة وغيرها من الآفات الاجتماعية.
مثال قرآني:
قوله تعالى في سورة المائدة (5:2):
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
حقائق قد تدهشك:
- يُعَدّ خلق الرحمة أبرز ما اتصف به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشاد القرآن بذلك في مواضع عدّة.
- الكثير من الأحكام جاءت مقرونةً بالأخلاق، في إشارةٍ إلى أنّ التطبيق العملي يحتاج تأسيسًا أخلاقيًّا قويًّا.
أهم الدروس المستفادة:
- الربط بين العقيدة الصحيحة والسلوك الحسن.
- بناء الفرد الصالح الذي ينفع نفسه ومجتمعه.
- إشاعة المحبة والوئام والتسامح في المجتمعات.
5. موضوعات متفرّقة (حوالي 10%)
تشمل هذه الفئة أمثال القرآن، والآيات التي تدعو للتفكّر في عجائب الخلق، وآيات الترغيب والترهيب التي تحفّز المؤمن على الاستقامة، بالإضافة إلى أدعيةٍ ومناجاةٍ يبيّن القرآن من خلالها قرب الله من عباده.
مثال قرآني:
قوله تعالى في سورة العنكبوت (29:41):
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
حقائق قد تدهشك:
- تحتوي بعض الآيات على إشارات كونية أثبت العلم الحديث دقّتها؛ مما يزيد المؤمن يقينًا في عظمة الخالق.
- ضرب الأمثال أسلوبٌ قرآنيّ شائع لتوضيح المعنى وتقريبه للأذهان.
أهم الدروس المستفادة:
- التأمّل في ملكوت الله يزيد الإيمان عمقًا ورسوخًا.
- إقامة التوازن بين الخوف من الله والرجاء في رحمته.
- استشعار حلاوة مناجاة الله ودعائه في كل الأوقات.
خاتمة
تكشف هذه الأقسام الخمسة -مع أمثلتها ونِسبها التقريبية- عن مدى شمولية القرآن الكريم؛ فقد جمع أسس العقيدة الصحيحة ومناهج التشريع الراقي وأروع نماذج القصص وأسمى القيم والأخلاق، إضافةً إلى دلائل القدرة الإلهية والأمثال والعِبر. إنّ معرفة هذه الحقائق والإحصاءات تزيدنا وعيًا بعظمة القرآن وتدفعنا إلى مزيدٍ من التدبُّر والعمل، عسى أن نكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصّته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.