شهر شعبان: محطة التوبة والتجدُّد قبل رمضان

هل تساءلت يومًا عن سر شهر شعبان؟

ما الذي يجعل هذا الشهر المبارك يختلف عن بقية الشهور؟ ولماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر فيه من الصيام؟
في هذه الخطبة سنتعرّف على فضائل شهر شعبان وأسباب أهميته، وكيف يمكننا استغلاله استعدادًا لرمضان.

إن شهر شعبان شهرُ التهيؤ والاستعداد لدخول رمضان، وشهرُ التطهُّر من الذنوب حتى يدخل المسلمُ شهرَ الصيام وهو أقربُ إلى رحمة الله تعالى وأبعدُ عن معصيته، مؤهَّلٌ لنيل المغفرة والرضوان.

1: شهرُ شعبان ورفع الأعمال

جاء في بعض الآثار أن أعمال العباد تُرفَع في شهر شعبان إلى ربِّ الأرض والسماوات. وهذا المعنى -وإن اختلف في أسانيده- ثابتٌ بمجموعه عند كثير من أهل العلم، ومؤدّاه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شعبان، وعَلَّل ذلك بقوله:

«ذلك شهرٌ يغفلُ الناسُ عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائم»
(أخرجه النسائي وغيره وصححه بعض أهل العلم)

فإذا علِم الإنسان أن موعد عرض أعماله قريب، اجتهد في التوبة والاستغفار، وأكثَر من الأعمال الصالحة، وقدَّم لنفسه ما يستطيع قبل لقاء الله عز وجل.

2: شهر التطهُّر قبل رمضان

من فضائل رمضان أنه يُكفِّر ما بينه وبين رمضان الآتي إذا اجتَنَب العبدُ الكبائر، ففي الحديث:

«الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، والجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، ورَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّراتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبائِرُ»
(أخرجه مسلم رقم: 233)

فدخول شهر شعبان إيذانٌ بانتهاء عامٍ من حياتنا فيما بين رمضانيْن، فحقيقٌ بالمؤمن أن يختم عامه بتوبةٍ صادقةٍ، ويستعدَّ لاستقبال نفحات شهر الصيام بقلبٍ نقِيٍّ من الآثام.

3: ليلة النصف من شعبان

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«إنَّ اللهَ ليطَّلعُ ليلةَ النصفِ من شَعْبانَ فيَغفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلَّا لمُشْرِكٍ أو مُشاحِنٍ»
(صححه جمعٌ من أهل الحديث بمجموع طُرُقه)

فهذا الحديث يلفِتُ انتباهنا إلى أثر الشرك والخصومة في حرمان العبد من المغفرة والرحمة. فالخصومة والشحناء بين المسلمين مَنفَذٌ يحرِم صاحبه من فضيلة الإقبال على الله.

4: المسامحة والعفو سبيلٌ للمغفرة

شهر شعبان فرصةٌ عظيمةٌ للتصافي والتصالح، لإصلاح علاقاتك مع أهلك وجيرانك وإخوانك. تذكَّر قول الله تعالى:

﴿فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ﴾ [الشورى: 40]

وتذكَّر أن من يغفِر لإخوانه يغفر الله له، ومن يرحَم يرحمه الرحمن. فلنُقبِل على شهر شعبان بمسح الضغائن من القلوب، ولنردَّ الحقوق إلى أهلها، ولنزرع المحبة والمودة حتى نُقبِل على رمضان بقلوبٍ سليمةٍ وأيدٍ نقيةٍ.

5: الإكثار من الصيام في شعبان

روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:

«ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبان»
(أخرجه البخاري رقم: 1969، ومسلم رقم: 1156)

وذلك لما في الصوم من تربيةٍ على الصبر، وتذكيرٍ بحاجة العبد وفقره إلى ربه سبحانه، فهو أفضل ما يُختَم به العام قبل رمضان، ووسيلةٌ للتعوُّد على مشقة الصيام وتهيئة الجسد للعبادة.

ختامًا، ماذا بعد شهر شعبان؟

إن شهر شعبان ليس مجرد جسرٍ نعبره نحو رمضان، بل هو محطة للتطهّر وتجديد العهد مع الله قبل استقبال الموسم الأسمى من المغفرة والرحمة.
فهل سنجعل أيامه بدايةً حقيقيةً للتغيير وبوابةً للتوبة والسمو الروحي؟
أم سنمرّ به مرور العابرين دون أن نقتبس من أنواره؟
لنجعل من شهر شعبان فرصةً صادقةً للتوبة، حتى ندخل رمضان بقلوبٍ نقيّةٍ وعزائمَ قوية،
فنكون أهلاً لنفحات الشهر الكريم وأبواب رحمته المفتوحة.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يجعل شعبان ورمضان موسمين للبركة والتزود بالطاعات.

وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى