العدل والرحمة الإلهية
فهم جزاء الحسنات والسيئات في الإسلام

قال الله تعالى: “مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا” (النساء:123).
هذه الآية ترسّخ قاعدة عظيمة في ديننا الحنيف: الجزاء من جنس العمل. فمن يعمل خيراً يجازى به خيراً، ومن يعمل شراً يجازى بشر عمله، وهذه قاعدة لا استثناء فيها.
لكن مع ذلك، لا بد أن نتأمل في عظمة عدل الله ورحمته. فالسيئة تُجازى بمثلها فقط، بينما الحسنة تضاعف إلى عشر أمثالها، بل إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله،
كما قال تعالى: “مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (الأنعام: 160).
هل يُترك المؤمن لسيئاته؟
إن الإنسان بطبيعته ضعيف ومعرّض للخطأ، والمؤمن ليس معصوماً من الذنوب. فكيف يتعامل الله عز وجل مع سيئاته؟ في الحديث الشريف،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أحب الله عبداً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أبغض عبداً أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة” (رواه الترمذي).
عندما يرتكب المؤمن معصية أو خطأ، قد يعجل الله له الجزاء في الدنيا لتكون كفارة لذنوبه، وهذا من رحمة الله بالمؤمن. فمن يصاب بمرض، أو همّ، أو مصيبة، أو أي نوع من أنواع البلاء، فإن هذه المصائب تخفف من ذنوبه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” (متفق عليه).
جزاء الحسنات: رحمة الله بالمؤمنين
الله عز وجل، بحكمته ورحمته، يجعل جزاء الحسنة أضعافاً مضاعفة. فالمؤمن ينال في الدنيا رزقاً وبركة وصحة على أعماله الصالحة، وفي الآخرة ينال الجنة ونعيمها الذي لا يمكن تخيله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” (رواه البخاري).
رحمة الله في البلاء
الله عز وجل يبتلي المؤمنين بالمصائب ليس عقاباً فقط، بل تربية ورحمة لتزكية النفوس.
قال الله تعالى: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” (الشورى: 30).
وهذا يذكرنا بأن كل ما يصيبنا هو من أفعالنا، ولكنه فرصة للتوبة والعودة إلى الله.
وفي لحظات البلاء، يجب على المؤمن أن يتحلى بالصبر والرضا بقضاء الله، فالصبر مفتاح عظيم لتجاوز المحن ومضاعفة الأجر.
مقارنة بين جزاء الدنيا والآخرة
ما أعظم الفرق بين الجزاء الدنيوي والجزاء الأخروي! في الدنيا قد يصيب الله المؤمن ببلاء ليكفر عن سيئاته، بينما الكافر يُترك ليهنأ في دنياه، لكنه يحرم من الخير في الآخرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر” (رواه مسلم).
لذلك، لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يراه من نعيم لدى الكفار في الدنيا، فهذا النعيم هو استدراج،
كما قال الله تعالى: “سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” (القلم: 44).
خاتمة
على المؤمن أن يدرك أن كل ما يصيبه في هذه الدنيا من خير أو شر هو ابتلاء من الله، إما لرفع درجاته أو لتكفير ذنوبه. وليعلم أن عدل الله لا يظلم أحداً، ورحمته واسعة تشمل عباده المؤمنين. فلنحرص على الإكثار من الأعمال الصالحة، والابتعاد عن السيئات، والتوبة الدائمة إلى الله.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يجعلنا من الذين يجزون بالحسنى في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.