الشتاء ربيع المؤمن: استثمار الوقت في الطاعات

أيها الأحبة في الله،
إن الوقت هو أغلى ما يملك الإنسان، فهو حياته وعمره الذي لا يُعوَّض. ولذلك أقسم الله عز وجل بالوقت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ليُبيِّن لنا أهميته وعظمته.
قال تعالى: “والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” [سورة العصر].
وقال سبحانه: “والفجر * وليالٍ عشر” [سورة الفجر]. وقال تعالى: “والضحى * والليل إذا سجى” [سورة الضحى].
إن هذه الأقسام تدل على عظمة الوقت وقيمته عند الله تعالى. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول:
“يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”.
فكل يوم يمضي هو جزء من حياتنا ينقص، وما مضى منه لا يعود.
وفي هذه الأيام، نشهد قدوم فصل الشتاء، وهو فرصة عظيمة للمؤمنين لاستثمار أوقاتهم في الطاعات والقربات. فالشتاء يُعد ربيع المؤمن، كما قال بعض السلف.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “الشتاء غنيمة العابدين”.
فالنهار قصير يسهل فيه الصيام، والليل طويل يمكن فيه القيام وقراءة القرآن.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “ألا أدلُّكم على الغنيمة الباردة؟ الصوم في الشتاء”.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أنه قال: “قلت: يا رسول الله، مرني بعمل ينفعني الله به، قال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له” [رواه النسائي وابن حبان].
فكان أبو أمامة رضي الله عنه لا يُرى في بيته دخان بالنهار، دلالة على كثرة صيامه، إلا إذا نزل بهم ضيف.
أيها المؤمنون،
لنغتنم هذا الفصل المبارك في التقرب إلى الله تعالى بالصيام والقيام وقراءة القرآن. فالليل طويل، فلنخصص منه جزءًا لقيام الليل،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” [رواه مسلم].
وقال الحسن البصري رحمه الله: “نعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه”.
ولنحرص على تلاوة القرآن الكريم، فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه” [رواه مسلم].
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “ينبغي أن لا يمضي على المؤمن أربعون يومًا إلا وقد ختم القرآن”.
فلنجعل لنا وردًا يوميًا من كتاب الله، فلا يكون حظنا من القرآن هو الهجر والنسيان. وإذا كنا نقضي ساعات طويلة مع أجهزتنا وهواتفنا، فلنخصص جزءًا من وقتنا لقراءة القرآن والتدبر في آياته.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن استغلال أوقاتنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والحمد لله رب العالمين.