دور رضا الوالدين في تحقيق النجاح

المسلم في حياته اليومية يسمع الكثير من الآيات والأحاديث، ويحضر الدروس والمحاضرات، ولكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تطبيق ما يسمعه ويتعلمه. فكم من نصوص عظيمة تمر علينا، ولكننا نعمل بالقليل منها فقط. لماذا؟ لأننا نفتقد إلى خطة واضحة لتنظيم حياتنا وتطبيق ما نتعلمه.
ومن أهم ما يجب أن نركز عليه في حياتنا هو بناء علاقات ناجحة مع والدينا، ومع الآخرين من حولنا، وفقًا لما علمنا إياه ديننا الحنيف.
أولاً: رضا الله في رضا الوالدين
إن علاقتنا مع والدينا هي أساس النجاح في الدنيا والآخرة. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد.” [ ابن حبان].
والله عز وجل أمرنا ببر الوالدين في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [سورة الإسراء: 23].
بر الوالدين ليس مجرد كلمات نقولها، بل هو التزام عملي يظهر في أفعالنا اليومية. كيف؟ بأن نضع خطة واضحة في حياتنا تجعلنا نحرص على رضا والدينا، ونتجنب كل ما قد يغضبهما.
على سبيل المثال، إذا كنت طالبًا، فاجتهد في دراستك، لأن نجاحك يسعد والديك. وإذا كنت موظفًا، فكن بارًا بهما من خلال تخصيص وقت لزيارتهما وخدمتهما.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين” [رواه البخاري ومسلم].
ثانياً: أهمية طلب العلم في بناء العلاقات
طلب العلم هو من أعظم العبادات التي تقربنا إلى الله، وهو أيضًا وسيلة لتحسين علاقتنا مع والدينا ومعلمينا. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة” [رواه مسلم].
ولكن للأسف، نجد بعض الشباب اليوم يواجهون صعوبات في الدراسة، مما يؤدي إلى توتر علاقتهم مع والديهم. الحل هنا يكمن في وضع أهداف واضحة، مثل تحسين الأداء الدراسي، والالتزام بعدم التسبب في أي مشاكل داخل المدرسة أو مع المعلمين.
حتى إذا كنت لا تحب الدراسة، فاحرص على ألا تكون سببًا في قلق والديك أو غضبهم. تذكر أن رضاهم هو طريقك إلى رضا الله.
ثالثاً: الزواج واستشارة الوالدين
من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض الشباب والشابات هو اتخاذ قرارات مصيرية، مثل الزواج، دون استشارة الوالدين. قد يظن البعض أن هذا حق شخصي، ولكن ديننا الحنيف يعلمنا أهمية استشارة الوالدين وأخذ رأيهم بعين الاعتبار.
قال الله تعالى: “وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ” [سورة آل عمران: 159].
استشارة الوالدين ليست فقط من باب البر، بل هي أيضًا وسيلة للاستفادة من خبرتهم وتجاربهم. كم من زيجات فشلت لأنها بدأت دون رضا الوالدين أو مشورتهم؟ لذلك، اجعل من رضا والديك جزءًا من خطتك في بناء حياتك الزوجية.
رابعاً: قواعد التعامل مع الآخرين
ديننا الحنيف وضع لنا قواعد واضحة في التعامل مع الآخرين، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا” [رواه مسلم].
هذه القواعد تشمل:
- عدم الحسد: لا تحسد أحدًا على ما أنعم الله به عليه.
- عدم الغش: لا ترفع سعر سلعة وأنت لا تنوي شراءها، فقط لتغالي على المشتري.
- عدم الظلم: لا تظلم أحدًا في ماله أو عرضه أو دمه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه” [رواه مسلم].
اجعل هذه القواعد أساسًا في معاملاتك اليومية، وستجد أن علاقاتك مع الآخرين تتحسن بشكل كبير.
خامساً: وضع خطة للحياة
لكي ننجح في تطبيق ما نتعلمه من ديننا، نحتاج إلى خطة واضحة تشمل:
- أهداف يومية: مثل قراءة القرآن، بر الوالدين و تحسين علاقتك مع زملائك.
- خطوط حمراء: مثل تجنب الكذب، أو الغش، أو إيذاء الآخرين.
- مراجعة دورية: خصص وقتًا أسبوعيًا لتقييم أدائك، ومعرفة ما إذا كنت تسير على الطريق الصحيح.
الخاتمة
أيها الأحبة، إن النجاح في الدنيا والآخرة يبدأ من علاقتنا مع والدينا، ومع الآخرين من حولنا. اجعل رضا والديك هدفًا أساسيًا في حياتك، وكن حريصًا على طلب العلم، وتحسين علاقاتك مع الجميع.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم اجعلنا بارين بوالدينا، وأصلح لنا أعمالنا، واغفر لنا ذنوبنا، وارزقنا حسن الخاتمة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.